د.مالك يوسف مالك بخيت استشاري علم النفس يكتب…. وجوه خلف الحصار: الأوضاع النفسية والاجتماعية في الفاشر
متابعات الجاسر نت

وجوه خلف الحصار: الأوضاع النفسية والاجتماعية في الفاشر
د.مالك يوسف مالك بخيت
استشاري علم النفس
مدينة تعيش على أنفاس متقطعة
في شوارع الفاشر، لا تسمع سوى صمت ثقيل يقطعه بين حين وآخر دوي بعيد. مدينة كانت ذات يوم نابضة بالحياة، تتحول اليوم إلى ساحة من الخوف والترقب. خلف الأبواب المغلقة، يعيش الناس معاناة صامتة لا يراها العالم إلا أرقامًا في تقارير: أطفال يرتجفون ليلًا، أمهات يخشين على لقمة العيش، وشباب ضائع بين حلم الغد وكابوس اليوم.
أطفال يحلمون بالطمأنينة
في كل بيت قصة طفل توقف عن اللعب، أو عن الذهاب إلى المدرسة، أو عن الضحك. وجوههم الصغيرة صارت تحمل ملامح الكبار: قلق، توتر، وأحيانًا نظرات فقدان الأمل. كثير منهم يستيقظ على أصوات القصف أو أخبار الفقدان، ويخلد إلى النوم على شعور بالحرمان والخوف. هذه الطفولة الممزقة تهدد جيلًا كاملًا من أبناء الفاشر.
أمهات على حافة الانهيار
الأمهات في الفاشر أصبحن درع الأسرة الأخير. بين البحث عن الغذاء، تهدئة الأطفال، ومحاولة الحفاظ على ما تبقى من الروح، يجدن أنفسهن أمام عبء نفسي هائل. كثيرات أصبحن يعانين من أرق طويل، وانهيار عصبي صامت، لكنهن يواصلن الوقوف لأن الانكسار ليس خيارًا عندما يتعلق الأمر بالأبناء.
شباب تائه في طريق مسدود
الشباب الذين كانوا يوماً نبض المدينة أصبحوا أسرى للبطالة والخوف. لا دراسة، لا عمل، ولا أفق واضح. هذا الفراغ القاتل يدفعهم إلى الانعزال والاكتئاب، وبعضهم إلى طرق أكثر ظلامًا. أحلامهم الكبيرة تتبدد، ومعها تتراجع الثقة بالمستقبل، ليبقى سؤال واحد يطاردهم: ماذا بعد؟
نسيج اجتماعي يتآكل
كانت الفاشر معروفة بترابط أهلها وروحها الجماعية، لكن الحرب والحصار مزقا هذه الروابط. غابت الأفراح والمناسبات التي تجمع الناس، وحل مكانها الحزن والشك والبعد. حتى التحايا البسيطة في الشوارع باتت متوترة، وكأن المدينة كلها تعيش على حافة جرح مفتوح.
ومضات أمل رغم الظلام
رغم كل هذا الألم، تظل هناك ومضات إنسانية صغيرة: معلم يحاول جمع الأطفال في ساحة صغيرة للتعليم، امرأة توزع الخبز رغم ندرة الطحين، أو شاب ينظم جلسات دعم نفسي لأقرانه. هذه المبادرات لا تنقذ الوضع بالكامل لكنها تذكّر بأن روح الفاشر لم تمت بعد.
نداء إنساني
الأوضاع النفسية والاجتماعية في الفاشر ليست أرقامًا أو عناوين، بل وجوه حية تنتظر من يراها. الدعم النفسي والاجتماعي أصبح ضرورة عاجلة لا تقل أهمية عن الغذاء والدواء. إنقاذ الفاشر لا يعني فقط فك الحصار، بل أيضًا تضميد الجراح غير المرئية في نفوس أهلها.