د.مالك يوسف مالك بخيت يكتب..جامعة أم درمان الإسلامية… عودة الدروس على أنقاض الحرب
الجاسر نت
د.مالك يوسف مالك بخيت
استشاري علم النفس
جامعة أم درمان الإسلامية… عودة الدروس على أنقاض الحرب
رغم الدمار الذي غطّى العاصمة الخرطوم، ورغم النزوح الذي شتّت الأساتذة والطلاب، عادت جامعة أم درمان الإسلامية لتفتح أبوابها من جديد، معلنةً أن الحياة لا تموت في وطنٍ يحب العلم.
لقد كانت عودتها الحضورية حدثًا وطنيًا، لا أكاديميًا فقط؛ لأنها جسّدت إرادة الصمود، ورغبة شعبٍ يرفض أن يتوقف النور مهما اشتدّ الظلام.
الجامعة التي انتصرت على المستحيل
في وقتٍ كانت فيه المدارس مغلقة، والمكاتب خاوية، أصرّت جامعة أم درمان الإسلامية على أن تستأنف الدراسة حضورياً، لتثبت أن العلم في السودان لا يعرف الغياب.
رغم انقطاع الكهرباء، وضعف المواصلات، وصعوبة الظروف، توافد الطلاب إلى القاعات بقلوبٍ مفعمةٍ بالإيمان، ووجوهٍ أنهكها التعب لكنها تلمع بالأمل.
كانت العودة إلى مقاعد الدراسة بمثابة إعلان أن السودان ما زال حيًّا… وأن الخرطوم قادرة على النهوض من تحت الرماد.
الأساتذة… صُنّاع النور
أساتذة جامعة أم درمان الإسلامية أثبتوا أنهم جنود في ميدان مختلف.
جاؤوا من مسافات بعيدة، بعضهم من مناطق نزوح، وآخرون من ولايات أخرى، فقط ليقولوا لطلابهم: “ها نحن هنا… لن نترككم وحدكم.”
يُدرّسون في قاعات متواضعة، بلا مكيفات ولا أجهزة، لكن بعزيمة لا تذوب، وإصرار يوازي صمود الجنود على خطوط النار.
لقد حملوا مسؤولية الوطن فوق أكتافهم، وعادوا إلى الجامعة ليحافظوا على ما تبقّى من ذاكرة السودان العلمية.
الطلاب… أبناء الإرادة لا الظروف
ما إن أعلنت الجامعة استئناف الدراسة حضوريًا، حتى عادت الحياة إلى شوارع أم درمان القديمة.
طلابٌ يسيرون على الأقدام، وآخرون يتشاركون المواصلات القليلة، وبعضهم يسكن بالقرب من الجامعة فقط ليكون قريبًا من حلمه.
دخلوا القاعات بعيونٍ فيها تعب الحرب، لكن فيها أيضًا إصرار على أن الجهل لن ينتصر.
لقد أثبتوا أن الطالب السوداني لا يتراجع، وأن القلم عنده أقوى من أي سلاح.
الجامعة والمجتمع… شراكة الصمود
جامعة أم درمان الإسلامية لم تفتح أبوابها للدراسة فقط، بل فتحت قلبها للمجتمع.
وفّرت برامج دعم نفسي للطلاب المتأثرين بالحرب، واستقبلت طلاب جامعات أخرى تضررت مقارّها، وأطلقت مبادرات لإعادة الأثاث والمكتبات.
هكذا عادت الجامعة لتكون رمزًا وطنيًا للتكافل والعطاء، ولتقول: من الجامعة يبدأ النهوض، ومن القاعة يُبنى الوطن.
التعليم الحضوري… حياة تتجدّد
العودة الحضورية للدراسة لم تكن قرارًا إداريًا فقط، بل كانت رسالة وطنية عميقة.
هي إعلان بأن الخرطوم ما زالت تتنفس، وأن طلابها وأسـاتذتها قادرون على بناء مستقبلٍ أفضل رغم الألم.
في كل محاضرة تُلقى، وفي كل حضورٍ طلابيٍّ متحمّس، تتجدّد روح السودان، ويُزرع الأمل من جديد في أرضٍ عطشى للسلام والنور.
كلمة للوطن من قلب الجامعة
من قاعات جامعة أم درمان الإسلامية، من بين المقاعد الخشبية التي شهدت الدموع والضحك معًا، يخرج النداء:
> “سنظل نحضر دروسنا مهما اشتدت الحرب، وسنظل نعلّم أبناءنا لأن العلم هو بقاء السودان.”
فالجامعة اليوم ليست فقط مؤسسة تعليمية؛ إنها رمز للثبات، وراية للوطنية، ومنارة للرجاء.
تحية إجلال لجامعة أم درمان الإسلامية — لأساتذتها الذين علّمونا معنى التضحية، ولطلابها الذين كتبوا دروس البطولة بالحضور، لا بالغياب.
ستبقى هذه الجامعة شاهدًا على أن العلم أقوى من الحرب، وأن الحلم لا يموت مهما تكسّرت الجدران.
فما دام في قاعاتها ضوء، وفي ساحاتها طلاب، فإن السودان بخير.
هنا تُولد الحياة من جديد… من قلب جامعة أم درمان الإسلامية.