الجاسر

د. عبد المنعم إبراهيم آدم محمد يكتب حكومة ( الكفاءات لا الكفوات )رؤية لإدماج أساتذة الجامعات في إدارة الدولة

متابعات الجاسر نت الإخبارية

نبضات حيوية
بقلم د. عبد المنعم إبراهيم آدم محمد – جامعة الإمام المهدي

في خضم التحولات السياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، يبرز سؤال جوهري: لماذا يُغيَّب عقل الدولة الأكاديمي عن دوائر القرار التنفيذي؟ أساتذة الجامعات، بما يحملونه من تراكم علمي ورؤية استراتيجية، يمثلون كنزًا وطنيًا ما يزال مهمَّشًا في إدارة شؤون الحكم، رغم أن بلدانًا عديدة حولنا أدركت باكرًا أن العقول العلمية هي الأقدر على تخطيط السياسات العامة وصياغة القرارات الكبرى.

في السودان، منح القانون الأساتذة مرونة قانونية للمشاركة في الجهاز التنفيذي دون أن يتقاطع ذلك مع وضعهم الأكاديمي، خاصة بعد استثنائهم من قانون الخدمة المدنية. ومع ذلك، ما تزال مشاركتهم محدودة وغير ممنهجة.

نماذج عالمية ناجحة

في الولايات المتحدة، تنتقل الخبرات من قاعات هارفارد إلى البيت الأبيض، حيث يتقلد أساتذة الجامعات مناصب وزارية ومواقع استراتيجية. وفي مصر، رأينا وزراء للتعليم العالي، والتخطيط، والبحث العلمي يأتون مباشرة من السلك الأكاديمي. هذا الدمج بين الفكر والممارسة أثمر سياسات أكثر نضجًا واستشرافًا.

رؤية لمشاركة أساتذة الجامعات السودانية

الوظائف الممكنة: وزارات التخطيط، التعليم، الصحة، الزراعة، الاقتصاد، ومراكز الدراسات الاستراتيجية والمجالس العليا.
الصفة القانونية:الأكاديمي يمكن أن يُستوعب بصفة “مستشار وطني”، أو “خبير دولة”، أو عبر التعيين الوزاري المباشر مع حفظ رتبته الأكاديمية.
الهيئة المقترحة: مجلس استشاري أعلى للأكاديميين تابع لمجلس الوزراء، يضم نخبة من الجامعات السودانية للإسهام في رسم السياسات العامة.

نحن لا ندعو إلى تحويل الجامعات إلى منصة سياسية، بل إلى الاستفادة من عقولها في التخطيط لا التنفيذ فقط، في السياسات لا في الصراعات. السودان اليوم بحاجة إلى هندسة عقلية جديدة، تتقدم فيها المعرفة على الشعارات، والبرهان العلمي على المزاج السياسي.

فهل آن أوان أن نُجلس الأستاذ الجامعي على طاولة القرار، لا في مدرج المحاضرات فقط؟
العقل قبل المنصب:
وفي ظل التحديات التي يواجهها السودان، وتطلعه إلى بناء دولة مؤسسات حديثة، يبرز الدور المحوري للخبرات الأكاديمية، خاصة أساتذة الجامعات، كرافعة معرفية قادرة على إحداث نقلة نوعية في الأداء الحكومي. فالعالم اليوم يتجه نحو “الحكم بالمعرفة”، حيث تُصاغ السياسات العامة بناءً على الأدلة العلمية لا على الحدس السياسي فقط.

المرتكزات القانونية والإدارية:
– أساتذة الجامعات لا يخضعون لقانون الخدمة المدنية، ما يمنحهم مساحة قانونية للعمل المؤقت أو الجزئي في الجهاز التنفيذي دون تعارض مع وضعهم الأكاديمي.
– يمتلك السودان سوابق في إشراك الأكاديميين، مثل تعيين أساتذة في وزارات التعليم والاقتصاد والتخطيط، وإن كانت المشاركة آنية لا مؤسسية.

مقترح الإدماج المؤسسي:

أولاً: في المستوى الاتحادي:
1. تعيين وزراء أكاديميين في الوزارات ذات الطابع التخصصي (التعليم العالي، الصحة، الاقتصاد، الزراعة، التخطيط).
2. إنشاء مجلس علمي استشاري لرئاسة الوزراء، يُضم إليه ممثلون من الجامعات الوطنية لمراجعة مسودات القوانين والسياسات.
3. تخصيص وظائف مستشار أكاديمي في كل وزارة، يتم ترشيحهم من الجامعات حسب التخصص المطلوب.
4. عقد اتفاقيات رسمية بين الدولة والجامعات لتقديم الخدمات الاستشارية مقابل دعم مالي واستثماري في البحوث التطبيقية.

ثانياً: على المستوى الولائي:
1. إدراج أساتذة الجامعات المحلية في المجالس التشاورية للولاة.
2. إشراكهم في إعداد خطط التنمية الولائية ومتابعة تنفيذها.
3. تعيينهم كمستشارين فنيين في مجالات الزراعة، البيئة، التعليم، والمياه.
4. إنشاء منصات حوار دوري بين الوالي وجامعة الولاية.

ثالثاً: في الشركات والهيئات الحكومية:
1. إلزام مجالس إدارة المؤسسات الكبرى بتضمين أستاذ جامعي متخصص في الحوكمة والمالية أو المجال الفني المتعلق بنشاط المؤسسة.
2. فتح وظائف قيادية للأكاديميين في الهيئات البحثية، ومراكز صنع القرار، والمشاريع الحكومية التقنية.
3. تطوير شراكات بين الجامعات والمؤسسات الحكومية لتحديث أساليب العمل، وتبني خطط تطوير مبنية على بيانات علمية.

النتائج المتوقعة تحسين جودة السياسات الحكومية ومواءمتها مع التطورات العلمية. تقليل الفجوة بين التعليم الأكاديمي والواقع الإداري التنفيذي.
و تعزيز الثقة العامة في أجهزة الدولة عبر وجود كوادر مشهود لها بالنزاهة والمعرفة.

إن حكومة رئيس الوزراء د. كامل إدريس، بما تمثله من بداية جديدة وتوجه إصلاحي، تملك الفرصة التاريخية لبلورة نموذج وطني لحكم يقوم على المعرفة، يعكس مكانة الأكاديميين كصناع سياسات لا مجرد منتقدين من مقاعد المحاضرات حين يُستثمر العقل قبل الموقع، تُولد الدول من جديد .

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.