الجاسر

أ ۔ معاوية ادم مصطفي….يكتب .. الخدمة المدنية ارتكاز التنمية واعادة الاعمار 《ولاية الخرطوم نموذجا》

متابعات الجاسر نت

الخدمة المدنية ارتكاز التنمية واعادة الاعمار
《ولاية الخرطوم نموذجا》

بقلم : أ ۔ معاوية ادم مصطفي۔

على الرغم من وجود خدمة مدنية خلال فترة الحكم التركي المصري وفترة المهدية إلا أن ملامح الخدمة المدنية الحديثة تشكلت بعد خضوع البلاد للاحتلال البريطاني المصري عام ١٨٩٨م والذي سعى من خلالها تحقيق هدفه والمتمثل في تكريس بقائه في السودان، لذلك قامت الخدمة المدنية بمهام حفظ الامن بجانب جباية الضرائب وتحصيل الإيرادات وتقديم القليل من الخدمات، ولم تكن مهام التنمية والتعمير من ضمن أولوياته. لم يكن هنالك تماثل تام بين الخدمة المدنية البريطانية والخدمة المدنية السودانية فقد انحصرت جوانب هذا التماثل في الأسس التي يقوم عليها جهاز الخدمة المدنية؛ فقد تشربت الخدمة المدنية السودانية قيم ومبادئ الخدمة المدنية البريطانية فترتب على ذلك التشرب للقيم والمبادئ أن كانت الخدمة المدنية السودانية على درجة عالية من الحياد السياسي ولم تدخل نفسها في تجاذبات سياسية تؤثر سلباً على أداءها، واتخذت من نظام الامتحانات والاختبارات معياراً للتقييم وطريقاً أوحداً لتقلد الوظائف فيها، أما الترقي في سلمها الوظيفي فكان يتم على أساس الأقدمية والجدارة، ظلت على هذا الحال حتى مطلع عام ١٩٥٦، عندما نال السودان استقلاله.
وبعد الاستقلال حدثت مفارقة للخدمة المدنية، فقد لازمها الثبات في الجوانب التي كان ينبغي إحداث تغيير جذري فيها بينما حدث تغيير فيما كان ينبغي أن يدعم ويرسخ بقاؤه، فلم يمثل استقلال السودان انقطاعاً لسيرورة الخدمة المدنية فيما يتعلق بتنظيمها وأهدافها الكولونيالية فقد ظلت الحكومات الوطنية الأولى محافظة عليهما ولم تسع لتغييرهما لتحقيق المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتوافقة مع مرحلة التحرر الوطني، وفي الاتجاه المعاكس لما ينبغي أن يكون، دُشنت التدخلات السياسية في جهاز الخدمة المدنية منذ عهد الحكومات الوطنية الأولى رغبة منها في الاستمرار في الحكم وتجنبا لسقوطها الوشيك
ولعل الناظر والمتابع اليوم يدرك أهمية الخدمة المدنية فهي ملازمة لأغلب أشكال التنظيم السياسي، وتعتبر حلقة وصل داخل النظام السياسي. وقد زادت أهميتها وعظمت مع سطوع نجم الدولة الحديثة، والتي فُرض عليها أن تقدم قدراً هائلاً من السلع والخدمات العامة.
ومن أجل قيامها بهذه المهمة كان عليها بناء جهاز خدمة مدنية يتسم بالكفاءة العالية؛ قام المفكرون والمصلحون الإداريون بتقديم مساهمات بارزة في هذا السياق، ومن أبرز تلك المساهمات مساهمة تريفليان-نورثكوت اللذان قاما بكتابة تقرير يتعلق بإصلاح الخدمة المدنية بطلب من وزير الخزانة البريطاني غلادستون عام ١٨٥٤م، وأهم ما جاء فيه هو اعتماد نظام الامتحانات والاختبارات معيارا للتوظيف. أما ماكس فيبر فقد سلك مسلكاً علمياً للوصول إلى نفس الغاية التي كان يريد كل من تريفليان-نورثكوت الوصول إليها، والتي تتمثل في بناء أجهزة إدارية تتواكب مع متطلبات العصر؛ فقد قام فيبر بوضع نموذج مثالي لما ينبغي أن يكون عليه شكل التنظيم الاداري، وأهم ما تضمنه والذي يهمنا في هذا السياق هو اعتماد تعيين الموظفين بناءً على كفاءتهم وجدارتهم.
. فبعد أن نال السودان استقلاله مباشرةً حافظت الحكومات الوطنية الأولى بما كان يجب تغييره وهي الأهداف الكولونيالية للخدمة المدنية، وفي المقابل لم تحافظ على ما ورثته من مبادئ ومعايير حاكمة للخدمة المدنية، فشُرعت التدخلات السياسية في الخدمة المدنية منذ عهد تلك الحكومات وحتى وقت قريب، فأضحت بذلك الخدمة المدنية ضحية للمناكفات السياسية بين الأنظمة السياسية المختلفة، وهو ما انعكس سلبا على أداءها.
مفهوم الخدمة المدنية:
يختلف شكل الموظفين المدنيين في الدولة كجزء من «الخدمة المدنية» من بلد إلى آخر. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، يشار إلى موظفي (الحكومة الوطنية) فقط، بوصفهم موظفين مدنيين، في حين أن موظفي المقاطعة أو المدينة ليسوا كذلك.
يعتبر الكثيرون أن دراسة الخدمة جزء من مجال الإدارة العامة. يمكن تصنيف العمال في “الهيئات العامة غير التابعة للإدارات كموظفين مدنيين، بغرض الإحصاء، وربما لشروطهم وأحكامهم. ويشكل موظفو الدولة المدنيون مجتمعة الخدمة المدنية، أو الخدمة العامة وهم
مجموعة من الأشخاص المعينين في الإدارة الحكومية باستثناء أفراد القوات المسلحة والموظفين المنتخبين، استخدم الاصطلاح أولا في الإدارة البريطانية بالهند وشاع تطبيقه بإنجلترا منذ 1854م ثم أطلق على موظفي وزارة الداخلية البريطانية، وقد تغيرت الخدمة المدنية عبر التاريخ وفقا لمدى التعقيد الحكومي واتسع مجال الخدمات المدنية في العصر الحديث بزيادة وظائف الدولة وأصبحت من الناحية التاريخية وقفا على الطبقة المتوسطة وازدادت أهميتها عندما توسعت الحكومات الحديثة في تولي الوظائف التي كانت في أيدي القطاع الخاص وبعد نظام الخدمات المدنية الفيدرالية اتجاها حديثا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعد إنجلترا أول الدول التي تأخذ بهذا النظام لما له من قوة ترجع إلى ما يتصف به من دوام وأنه يستمد سلطاته من البرلمان وإن أخذ عليه افتقاره إلى المرونة. وكانت كل من عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة رائدة في مجال الخدمات المدنية الدولية
ويمثل مؤتمر الخدمة المدنية المقرر عقده في السودان يومي 28 و29 أبريل القادم خطوة حاسمة نحو إعادة هيكلة وتأهيل القطاع العام في البلاد، الذي تضرر بشدة جراء الحرب الأخيرة. يأتي هذا المؤتمر في وقت بالغ الأهمية، حيث يواجه السودان تحديات جمة تتطلب تضافر الجهود لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتحسين أدائها ولعل ولاية الخرطوم هي ام السودان تتطلب النظر اليها بعين الرضا لما ظلت تبذله الولاية في المجالات المختلفة سواء في الخدمات والعودة الطوعية وغيرها من مجالات سير دولاب العمل الا اننا نقدم جملة من المقترحات نامل الوقوف عندها لاصحاب القرار واهل الشان والخبراء وذلك
بالاستعانة بالمعاشيين والاستفادة منهم خبراء وتخصيص مقرات لهم داخل الموسسات لتواصل الاجيال وتلاحق الافكار وتدريب الكوادر العاملة كما يمكن الاستفادة من خبرات وكفاءات الموظفين المتقاعدين في مجالات حيوية، خاصة في ظل النقص الحاد في الكوادر المؤهلة والاستفادة من عصارة تجاربهم فضلا عن الاهتمام بالتقنيةو
التحول الرقمي و التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي
ختاما:
إن ولاية الخرطوم وما تسخر به من امكانات خاصة البشرية الموهلة تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الخدمة المدنية في السودان على أسس متينة، تضمن تقديم خدمات عالية الجودة للمواطنين، وانفاذ مشاريع اعادة الاعمار فضلا عن التنمية المستدامة في البلاد.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.