د. السماني ود الحاج يكتب … ربك مدينة محفورة في الذاكرة
متابعات الجاسر نت

شذرات فكرية
د. السماني ود الحاج
ربك مدينة محفورة في الذاكرة
في الأوضاع الصعبة التي سببتها الحرب في بلدنا، كانت رحلة النزوح مليئة بالقصص والمعاناة. لكن فيها دروس وعبر عظيمة، تعلمنا منها الكثير، وكانت بمثابة درس كبير للشعب السوداني. هذه المعاناة سببها تجاوز قوات الدعم السريع – قاتلهم الله. فقد استبدت هذه المجموعة بالقوات المسلحة السودانية التي عاملتهم جيدًا. وكانت النتيجة قهرًا وظلمًا وانتهاكات بحق البسطاء والأبرياء والشيوخ والنساء من بلادي. وتركت الحرب حزنًا اجتماعيًا في نفوس كل الشعب السوداني.
بفضل الله، استطاعت القوات المسلحة السودانية استعادة جميع المدن التي سقطت على يد التمرد، مثل ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض والخرطوم وإقليم كردفان. حتى الآن، لم يبقَ سوى عدد قليل من المدن في يد التمرد في إقليم دارفور، وسيتم تحريرها بإذن الله، وتنتهي صفحة التمرد إلى الأبد.
ظروف الحرب كانت بمثابة مرارة عاناها كل أبناء الشعب السوداني في جميع المدن الآمنة، والتي ازدحمت بالمواطنين النازحين إليها بسبب الحرب اللعينة التي فُرضت علينا. ضيق الحرب كان درسًا بليغًا تعلمنا منه الكثير. خلال حصار ولايتي النيل الأبيض وسنار، سقطت مدينتا سنجة ومدني بيد قوات التمرد، فكانت وجهتنا مجبرين إلى مدينة ربك، في ظل ظروف قاسية وصعبة. فأُجبرنا من قوات التمرد على التوجه إلى مدينة ربك في ظروف صعبة. كان علينا الرحيل، وهو أمر ضروري. توجهنا إلى مدينة ربك، وكنا جزءًا من بحر أبيض، فلم نواجه صعوبة في التأقلم مع مجتمع المدينة، رغم عدم وجود أهل أو أقارب لنا هناك. وجدنا الإخوة في الله هم أهلنا وديارنا، ولم نعاني أي صعوبة في الاستقرار في المدينة، وسرعان ما أصبحنا جزءًا منها.
لا ننسى أصحاب الفضل أبدًا. فقد استقبلنا نفر كريم نعتبره من الصالحين، كان أخًا صالحًا تربطنا به علاقة أخوية قديمة وصداقة حميمة. وعندما احتجنا إليه، كان عند الموعد، فارسًا كريمًا في استضافتنا. استقبلنا استقبال الفاتحين، ولم نرَ كرمًا مثله من قبل. فتح لنا ذراعيه، وجعل أهلي وأهله قريبين. أمضينا عامًا ونصف العام، ولم نشعر يومًا بالغربة عنده. كان نعم الأخ والصديق، الذي خبأه لنا الزمان. أصبحنا أسرة واحدة، عشنا أيامًا جميلة لن ننساها، وسيخلدها التاريخ، وسنحفظ الجميل ما حيينا.
بطبيعتنا، نحب العمل الحر، مهما كانت التكاليف. حينها، توكلت على الله وذهبت إلى سوق المدينة (الأوقاف). لي في هذا المكان علاقات قديمة وجميلة جمعتني بالزملاء الكرام في مجمع الأوقاف. لم نشعر بالغربة بينهم، ومع مرور الوقت أصبحنا كجزء منهم. لقد أحسنوا استقبالنا، واحتضنونا، ولم نشعر بالوحدة طوال الأيام التي قضيناها معهم.
ما يلفت النظر أن مجتمع الأوقاف مجتمع متماسك. الصغير والكبير، الغني والفقير، أسرة واحدة وبروح واحدة. شهدتُ بعينيّ تكاتفًا وتعاونًا فريدًا من نوعه في التواصل الاجتماعي، وقضاء حوائج الإخوة بكل سهولة ويسر. التكافل أصبح مبدأ يمارسونه في حياتهم اليومية. هذا النموذج من الأخوة فريد من نوعه، وكان بمثابة درس تعلمنا منه الكثير لننقله إلى المدينة التي نعيش فيها.
لذا، كان لابد من شكر هذا الصنيع الجميل، والوفاء لأهل العطاء. لقد غمرونا بكرمهم الفياض وإحسانهم لنا. تحية شكر وتقدير لهم جميعًا، وعلى رأسهم، الشيخ المهندس حسين مصطفى، الرجل الذي كان نورًا نهتدي به جميعًا طوال فترة وجودنا في مدينة ربك. فهو رجل سليل تربية صوفية واضحة وبائنة فجاءات شخصيته التي أكرمها الله بالقبول وسط مجتمع المدينة اكمله ومجتمع الأوقاف بالاخص.
شذرة أخيرة
رسالة شكر وتقدير إلى أهلنا قبيلة (الهوسا). عشت بينكم في حي (19) لمدة عام ونصف، ورأيت فيكم التقوى والإيمان، ومحبة الخير. شهدت المساجد تمتلئ بالمصلين، وشبابكم يتميزون بالتقوى ويحرصون على الصلاة في المساجد. التواصل والتكافل والتراحم بينكم أمر مميز، على الرغم من بساطته. ولكم طقوس خاصة في المآتم تؤكد أنكم أهل تقوى وإيمان. تعرفت على الكثير من الأمور التي كانت خفية علينا خلال إقامتنا في مدينة ربك.