د.مالك يوسف مالك بخيت استشاري علم النفس يكتب …. الألم والتعب في السودان بعد الحرب: طريق نحو الشفاء وبعث الأمل
الجاسر نت الاخبارية
الألم والتعب في السودان بعد الحرب: طريق نحو الشفاء وبعث الأمل
د.مالك يوسف مالك بخيت
استشاري علم النفس
في وطنٍ أنهكته الحرب وشتّتت أبناءه في أطراف البلاد، لم يعد التعب مجرّد شعورٍ عابر، بل أصبح حالةً عامة يعيشها الجميع؛ تعبٌ في الأجساد، وفي النفوس، وفي الأرواح التي ظلت تحاول أن تتشبث بالحياة رغم ركام الفقد.
لقد مرّ السودان بواحدةٍ من أقسى المراحل في تاريخه الحديث، إذ حملت الحرب معها وجع الفقد، وصمت البيوت، وملامح الحزن التي سكنت الوجوه. ولكن، وسط كل هذا الألم، يظل الإنسان السوداني يحمل في داخله قدرةً فريدة على الصبر والنهوض من جديد.
ألم ما بعد الحرب… وجع صامت في صدور الناس
لم تكن الصدمات التي عاشها الناس مجرد صورٍ للحرب، بل جروحًا نفسية عميقة ما زالت تنزف داخل الكثيرين.
فقد رأينا الأمهات وهنّ يودعن أبناءهن، والأطفال وقد كبروا فجأة تحت أصوات القذائف، والشباب الذين حملوا الوطن في قلوبهم رغم النزوح والتيه.
علماء النفس يؤكدون أن ما يعيشه السودانيون اليوم هو ما يُعرف بـ الإجهاد النفسي والصدمة الممتدة، وهي حالة طبيعية بعد الكوارث والحروب، تحتاج إلى وقتٍ ودعمٍ ومجتمعٍ يتفهمها.
لماذا نشعر بهذا الألم والتعب؟
1. لأننا فقدنا الكثير: من الأحبة، والمنازل، والأحلام.
2. ولأننا لم نرتح بعد من الخوف: ما زالت الذاكرة تحمل أصوات الحرب وذكرياتها.
3. ولأننا نحمل وطنًا كاملاً في قلوبنا: وطنًا نحلم بأن يعود كما كان، آمناً مطمئنًا.
4. الألم إذًا ليس ضعفًا، بل رسالة من النفس تطلب العناية، والطمأنينة، والاحتواء.
كيف نتجاوز الألم ونتعافى معًا؟
رغم الجراح، يمكن لكل فردٍ أن يبدأ رحلة التعافي بخطواتٍ صغيرة، لكنها عظيمة في أثرها:
1. الاعتراف بالمشاعر
أن نقول “نحن متعبون” لا يعني أننا انهزمنا، بل أننا بشر نحاول الوقوف من جديد.
2. التكافل والدعم الاجتماعي
عندما يواسي السوداني أخاه، ويشعر به، فإن ذلك وحده علاجٌ نفسيٌ جماعي يعيد الثقة والدفء للمجتمع.
3. الدعم النفسي والعلاج المتخصص
يجب أن تتوسع برامج العلاج النفسي في المدارس، الجامعات، والمخيمات، فالمجتمع الذي يتعافى نفسيًا هو مجتمع قادر على البناء من جديد.
4. الإيمان والأمل
الصلاة، التأمل، والدعاء كانت دائمًا درع السوداني أمام الشدائد. الإيمان العميق بالله يخفف الألم ويمنح القلب طاقة الصبر والمواصلة.
5. إعادة الإعمار النفسي قبل المادي
فإعادة بناء الوطن تبدأ من ترميم النفوس، ومن بث الأمل في الجيل الجديد. فالوطن لا يُبنى بالحجارة فقط، بل بالعزيمة والإيمان بالسلام.
رغم كل ما حدث، يبقى السودان أكبر من جراحه، وأجمل من أحزانه.
نحن شعبٌ عُرف بالصبر، وبالقلوب الواسعة التي لا تعرف الاستسلام.
الألم اليوم هو عابر، أما الأمل فهو باقٍ فينا ما بقينا نؤمن بأننا نستحق حياةً أفضل، ووطنًا آمنًا مستقراً.
فلتكن المرحلة القادمة مرحلة شفاء وعودة للذات، مرحلة نعيد فيها بناء أرواحنا قبل بيوتنا، ونكتب فيها فصلاً جديدًا من فصول الصمود السوداني.
السودان سيتعافى… لأن في كل سوداني قلبًا لا يعرف الانكسار.