الجاسر

دكتور مهندس كيميائي/عاطف عبد الرحيم احمد يكتب الأستاذ الجامعي في السودان: جوعٌ مادي واغتراب معنوي!

متابعات الجاسر نت

الأستاذ الجامعي في السودان: جوعٌ مادي واغتراب معنوي!

في السودان اليوم، يعيش الأستاذ الجامعي واحدة من أتعس المآسي المهنية في العالم. تخيّل أن أستاذاً يحمل لقب “بروفيسور” قضى أكثر من 30 عاماً بين المراجع والمختبرات والفصول الدراسية لا يتجاوز راتبه الشهري مائة دولار بقليل، بينما تجد موظفاً يحمل شهادة بكالوريوس فقط – وربما دخل وظيفته بـ”واسطة” – يتقاضى أكثر من 400 دولار شهرياً دون أن يقدّم أي عطاء نوعي للمجتمع!

إذلال متعمّد وتهميش مقصود

الأستاذ الجامعي في السودان ظل ضحية لسياسات الدولة منذ عقود. الدولة تتعمد إذلاله وتهميشه، وكأنها تريد أن تقول: “مكانتك العلمية لا تساوي شيئاً عندنا”. بينما نرى نفس الدولة تفرض على الطلاب رسوماً مليارية لا تتناسب مع دخل الأسر ولا مع الوضع الاقتصادي المتهالك.
الجامعات تحولت إلى شركات جباية، بينما حامل لواء المعرفة وصانع العقول يُترك في الهامش، يقاتل وحده بين أزمات المعيشة وواجباته الأكاديمية.

المقارنة الفاضحة

في مصر: الأستاذ الجامعي يتقاضى بين 700 – 1500 دولار شهرياً بجانب بدلات البحث والإشراف.

في إثيوبيا: لا يقل راتب الأستاذ عن 600 دولار، فضلاً عن السكن والدعم الحكومي.

في الخليج: الأستاذ الجامعي يتقاضى ما بين 4000 – 10,000 دولار شهرياً، مع مميزات السكن والتأمين.

في أوروبا وأمريكا: أرقام فلكية مقارنة بالسودان، حيث يبدأ الراتب من 3000 دولار ويتصاعد حسب الرتبة.

ألا يستحق من يدرّس أجيال الأطباء والمهندسين والقضاة أن يُكرم كما يُكرم زميله في الدول الأخرى؟

الدور التاريخي للأستاذ الجامعي

الأستاذ الجامعي السوداني لم يكن يوماً مجرد موظف. هو الذي خرج إلى الشوارع مطالباً بالحرية، وهو الذي وقف مع الطلاب في أوقات الحرب، وهو الذي يواصل اليوم رسالته رغم الجوع والفقر والخذلان. ومع ذلك تُصر الدولة على كسر كبريائه وإسكاته براتب هزيل لا يكفي فاتورة كهرباء أو علاج أسرة.

ما الحل؟ كيف يفرض الأستاذ الجامعي احترامه؟

1. توحيد الصفوف: على الأساتذة تكوين جسم نقابي مستقل وموحد، لا يخضع للسلطة السياسية ولا للتجزئة الإدارية.

2. الإضراب المنظم: لا معنى لتسيير العملية الأكاديمية بينما الأستاذ جائع. يجب أن يعرف الطالب وولي الأمر والحكومة أن العلم لا يُعطى مجاناً وسط الإهانة.

3. الضغط الإعلامي: كتابة مقالات، تنظيم حملات على وسائل التواصل، فضح الأرقام والمقارنات أمام الرأي العام.

4. التدويل: الاستعانة باتحادات الأساتذة في الإقليم والعالم لخلق تضامن وضغط على الحكومة السودانية.

5. الهجرة المنظمة: إذا لم تستجب الدولة، يصبح الهروب الجماعي للأدمغة وسيلة ضغط، لأن انهيار الجامعات سيعني انهيار الدولة كلها.

الخلاصة

الدولة السودانية أمام خيارين:

إما أن تُعيد الاعتبار للأستاذ الجامعي عبر هيكلة عادلة للمرتبات، توفر له حياة كريمة وتوازي مكانته.

أو أن تستمر في سياسة الإذلال، وعندها لن تجد بعد سنوات من يُدرّس في قاعاتها، وستبقى جامعاتها مجرد مبانٍ بلا روح ولا علم.

فالأستاذ الجامعي ليس موظفاً عادياً: هو حامل الشعلة، وصانع المستقبل، وحارس ضمير الأمة. وإذا انطفأت شعلته، دخل السودان في ظلام لن يخرج منه أبداً.

دكتور مهندس كيميائي/عاطف عبد الرحيم احمد
30/9/2025

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.