د.مالك يوسف مالك بخيت استشاري علم النفس يكتب… انحراف بلا ضمير
الجاسر نت
د.مالك يوسف مالك بخيت
استشاري علم النفس
انحراف بلا ضمير
تُعد جرائم اغتصاب الأطفال من أبشع الجرائم التي تجرّد الإنسان من إنسانيته، وتكشف عن خلل عميق في التكوين النفسي والضمير الأخلاقي. فالمغتصب لا يتحرك بدافع الغريزة فقط، بل نتيجة اضطرابات نفسية واجتماعية وانحرافات فكرية وسلوكية تراكمت عبر مراحل حياته.
اضطراب في الميول والتحكم
تشير الدراسات النفسية إلى أن كثيرًا من مرتكبي هذه الجرائم يعانون من اضطراب الميل نحو الأطفال (Pedophilic Disorder)، وهو انحراف جنسي يتميز بانجذاب مرضي نحو الأطفال. هذا الاضطراب غالبًا ما يرتبط بضعف السيطرة على الدوافع، وغياب الشعور بالذنب أو الندم بعد ارتكاب الفعل.
جذور نفسية واجتماعية معقدة
تُظهر التحليلات النفسية أن عددًا من المعتدين كانوا ضحايا سابقين للعنف أو الإهمال أو الاعتداء في طفولتهم، ما يترك آثارًا عميقة تولّد لديهم نزعة انتقامية أو رغبة في السيطرة على الأضعف. كما تسهم البيئة الأسرية المفككة، وضعف الوازع الديني، والحرمان العاطفي في تكوين شخصية منحرفة سلوكيًا وعاطفيًا.
السمات النفسية والاجتماعية لمغتصب الأطفال
من خلال الدراسات الجنائية والتحليل النفسي، تتكرر مجموعة من السمات التي تميز هذه الشخصية، أبرزها:
1. انعدام التعاطف والضمير الأخلاقي، وتبرير الجريمة بأفكار مشوّهة.
2. النرجسية وحب السيطرة، والسعي لإذلال الضحية لإشباع شعور داخلي بالنقص.
3. ذكاء اجتماعي خادع، وقدرة على التلاعب لكسب الثقة وتجنّب الاشتباه.
4. الانعزال الاجتماعي، وصعوبة إقامة علاقات طبيعية مع البالغين.
5. ضعف ضبط النفس، واندفاعية في السلوك دون وعي بالعواقب.
6. تشوه أخلاقي وفكري، يجعل صاحبه يرى في الجريمة “حقًا شخصيًا” أو “لعبًا بريئًا”.
التحليل النفسي للسلوك
المغتصب لا يسعى فقط إلى اللذة، بل إلى إحساس بالقوة والسيطرة. فالعنف بالنسبة له وسيلة لتعويض ضعف داخلي مزمن، وتفريغ كبت نفسي طويل الأمد. لذلك تُعد جريمته انعكاسًا لعجزه عن بناء علاقات ناضجة وصحية في حياته الطبيعية.
العلاج والوقاية
تتطلب مواجهة هذه الجرائم مزيجًا من العلاج والعقاب. فالعلاج السلوكي المعرفي يمكن أن يساعد في تصحيح الأفكار المنحرفة، والعلاج الدوائي يحدّ من الدوافع الجنسية غير السوية. كما يجب تعزيز دور الأسرة والمجتمع في الوقاية والتوعية ومراقبة سلوكيات الأطفال لحمايتهم من الخطر.
الخلاصة
إن مغتصب الأطفال هو نتاج انحراف في الضمير، واضطراب في النفس، وفشل في التكوين الإنساني.
وفهم هذه الشخصية لا يهدف إلى تبرير الجريمة، بل إلى تفكيكها علميًا لمنع تكرارها. فحماية الطفولة لا تبدأ بالقوانين فقط، بل بالوعي والرقابة والمسؤولية الأخلاقية لكل فرد في المجتمع.